إعتدلت في وقوفها ومدت يدها للمعلاق و أخدت معطفها ووشاحها , و إتجهت نحو الباب فاتحة إياه
, فدخلت كتلة ثلج كأنها كانت تنتظر ..فتنهدت وقامت بإخراجها برجليها
و خرجت هي الأخرى , ثم دفعت بالباب وأغلقته وراءها .
تنفست بعمق و خطت أول خطوة غاصت بها إلى أعماق الثلج , و كأنها تلتمس الغوص بكلها في ذلك البياض و النقاء .
كان كل شيء ساحرا و أبيضا لا حدود للطريق أو الرصيف , كل شيء متساوي و منبسط وأبيض , وكانت كل المنازل ترتدي قبعات بيضاء .
تقدمت " كرستين " و هي تحمل قفتها و قد ضمت يديها إلى صدرها , مرت بجانب شخصين . وما إن تقدمت قليلا
حتى سمعت همسهما : أليست هذه " كرستين " زوجة "جا ك " , ورد الآخر : تقصد أرملته .
إغرورقت عيناها بالدموع و كتمت غصتها , و مضت بطريقها , حتى وصلت إلى محل تجاري كبير نوعا ما
واسع ومنظم , يحتوي على أهم المواد الغذائية اللازمة في مثل هذا الوقت التي تنقطع فيه حتى المواصلات من
سماكة الثلوج في الطرقات , إشترت ما يلزمها و همت بالرجوع بخطوات متثاقلة .
في طريق عودتها لمحت الشخصين ذاتهما , فسارعت بخطاها متجاهلة كل من حولها , لكنها فجأة رمت بنظرها نحو
باحة منزلها , كانت هناك سيارة متوقفة , فتسللت تساؤلات عدة إلى فكرها : " من عساه يكون "
سيارة زرقاء وبيضاء هي سيارة شرطة , فتوالت الأفكار تباعا إلى ذهنها , وتسارعت دقات قلبها , و تثاقل دخول الأوكسجين
إلى رئتيها , لا يفصلها عن السيارة سوى أمتار , من عساه يكون ؟ وماذا يريد ؟؟ تحدث نفسها .
كان الشرطي واقفا بجانب سيارته..فمرت " كرستين " وتجاوزته , لكن تجاوزها له لم يهدأ شيئا من روعها , فقد سارع الشرطي إلى مناداتها
: سيدتي , سيدة "يروس " .
فردت بحنق وغضب والدموع بعينيها : بل الملازم " بروس "
ألم تحضر المرة الماضية ؟ ألا تكفون من نقل الأخبار السيئة ؟
الشرطي : عذرا سيدتي ..( مازال منتصيا وكأنه يقف أمام الجنرال الأعلى ) ثم تابع قائلا :
سيدتي ..جئت أبلغك بأمر .. سيدتي . لقد كان الملازم بروس نعم الملازم , ونعم البطل الشجاع الذي يدافع عن وطنه .
قاطعته بأسى وحرقة في صدرها : و ما زال .
أردف الشرطي قائلا : كما تعلمين سيدتي .. أبلغناك في المرة الماضية عن فقدان السيد بروس في البحر , سيدتي
تمالكي نفسك لأن ما سأخبرك به لا يصدق .
لقد وُجد زوجك حيا عند الطرف الجنوبي من المدينة .. هو الآن في المستشفى ويطلب حضورك .
و ضعت يدها لتمتص الصدمة والخبر غير المتوقع , وإنهمرت دموعها أنهارا , وجتث على الثلج ,
وكأن الزمن توقف .